الهاكا: الحكومة فشلت في كسر ذكورية الإعلام.. 91% من زمن الكلام للرجال وتمثيلية النساء تتعثر عند 17%.. والمساواة مؤجلة إلى 2087
رغم التحولات الكبرى التي يعرفها المشهد الإعلامي المغربي، لا تزال المرأة حاضرة على الهامش، سواء كصانعة للخبر أو كمصدر له، في معادلة تكشف اختلالا بنيويا يرسّخ التفاوت بين الجنسين في مهنة من المفترض أن تكون مرآة للمجتمع، وفق ما أكدته الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA)، مشيرة إلى أن تمثيلية النساء في البرامج الإخبارية والمحتويات الإعلامية لم تتجاوز 17.2% على الصعيد الوطني مقابل حضور رجالي طاغٍ بنسبة تفوق 82%.
ورغم مرور أكثر من عقدين على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية بالمغرب، وتكرار الخطاب الرسمي حول المناصفة وتمكين المرأة، لا تزال الهوّة بين الرجل والمرأة في المشهد الإعلامي الإخباري شاسعة بشكل يبعث على القلق، هذا ما تؤكده المعطيات الرقمية التي أفرزها التتبع الأخير للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، وأيضًا نتائج المشروع الدولي "من يصنع الخبر؟" (GMMP)، الذي يضع التمثيلية النسائية تحت مجهر المقارنة الزمنية والعالمية، وقد تحصّلت "الصحيفة" على نسخة منه.
وبحسب تتبع الهيئة للبرامج الإخبارية والمجلات الحوارية في القنوات السمعية البصرية الوطنية خلال الربع الأخير من سنة 2024، لم تتجاوز نسبة تدخلات النساء من الشخصيات العامة 18%، مقابل 82% للرجال، فيما الأكثر إثارة للانتباه أن هذه النسبة لم تتزحزح تقريبًا منذ سنة 2010، حسب الرسم البياني الممتد على مدى 15 سنة، ما يكشف جمودا بنيويا في ولوج النساء لمساحات التعبير الإعلامي، سواء كخبيرات أو فاعلات سياسيات أو صانعات قرار.
وتزداد المفارقة حدةً خلال الفترات الانتخابية، حيث يُفترض، ولو صوريا، أن يتم الحرص على حد أدنى من التوازن، إلا أن البيانات المتعلقة بانتخابات 2021 أظهرت أن النساء لم يحصلن سوى على 19% من الوقت المخصص للتدخلات، مقابل 81% للرجال، وهي النسبة نفسها التي سُجلت في انتخابات 2016، ما يعني غياب أي تطور ملموس رغم إدراج المناصفة في القوانين التنظيمية للانتخابات.
وبعيدًا عن نسبة الظهور، يبرز الغياب الأكثر عمقا في محتوى الخبر ذاته، إذ تُظهر معطيات الدراسة الوطنية في إطار مشروع GMMP أن النساء لا يُستدعَين كمصادر أو مواضيع إخبارية إلا بنسب متدنية، أي 22 في المائة في التلفزيون 18 في المائة في الصحافة الالكترونية، 16 في المائة في الصحافة الورقية، و13 في المائة في الإذاعة، وتُعد الإذاعة، المفترض أنها وسيلة إعلام قريبة من النبض الشعبي، الأكثر تهميشا للنساء كمصدر للمعلومة أو الرأي.
وتتعمق الهوة، وفق التقرير ذاته الذي تحصّلت عليه "الصحيفة"، حين نعلم أن نسبة النساء كمصادر أو مواضيع إخبارية في الأخبار السياسية والحكامة، التي تشكل 30% من العرض الإخباري، لا تتجاوز 6%.، بالمقابل، يظهرن بشكل طفيف – وأحيانًا تجميلي – في مواضيع الفنون والثقافة، أي في الفضاءات التي لا تهدد تقليديًا "الذكورة الرمزية" للإعلام السياسي.
ورغم أن حضور الصحافيات في غرف التحرير أصبح أكثر وضوحا، إلا أن تحليل مضمون الإنتاج الصحافي يظهر أنهن يُكلّفن غالبًا بإنجاز مواضيع ذات طابع اجتماعي أو قانوني، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة وحقوقها، في حين يتولى الصحافيون الذكور تغطية مواضيع العنف والجريمة، حتى حين تكون النساء ضحايا أو أطرافا رئيسية فيها.
وهذا التوزيع المهني القائم على تقسيم غير معلن للعمل الصحافي، يُكرّس الصورة النمطية التي تحصر المرأة الإعلامية في القضايا "الأنثوية"، بينما تُحتكر المواضيع "الصلبة" كالسياسة والأمن والاقتصاد من قبل الرجال، وفوق ذلك، تُبقى المعالجة الصحافية لقضايا النساء سطحية أو متكررة، خالية من العمق التحليلي، ولا تخرج عن الخطاب الإنساني أو الإدانة العابرة، دون ربطها بالبُنى الاجتماعية والسياسية المنتجة للعنف أو التهميش.
وعند الانتقال إلى البعد البصري، تُصبح المفارقة أكثر صدمة، فقد أظهر تحليل الصور الصحافية المرفقة بالمقالات المنشورة يومي 29 شتنبر 2020 و10 مارس 2025، تراجعا واضحا في تمثيلية النساء.
وفي سنة 2025، ظهر الرجال في 71% من الصور، مقابل 29% فقط للنساء، وعندما نُمعن أكثر، يتبيّن أن 88% من الصور التي تُظهر أشخاصا منفردين كانت لرجال، أي أن الصحافة لا تزال تعتبر أن وجه الرجل هو الأصل، وأن وجه المرأة استثناء، فيما الأخطر هو أن نساء غائبات تماما عن التصوير في مواضيع مثل الرياضة، العلاقات الدولية، العلوم، والدين، بينما لم يُسجل أي تفوق عددي لصور النساء على الرجال في أي مجال، باستثناء الصحة، الذي سُجل فيه نوع من التوازن.
أما في ما يخص صفات النساء في الأخبار، فتُظهر البيانات أن النساء غالبا ما يُقدَّمن في دور الشاهدة على تجربة شخصية، أو الضحية، أو الممثلة الرمزية لفئة اجتماعية معينة، في المقابل، يحتكر الرجال صفات الخبير، المحلل، الممثل الرسمي، والفاعل المؤسسي.
اللافت أيضًا أن الحالة العائلية للنساء تُذكر في 13% من التغطيات، مقابل 4% فقط للرجال، ما يؤشر على استمرار اختزال المرأة في أدوارها الأسرية، حتى عندما تكون فاعلة أو محاورة في المجال العمومي، وربما كانت الخلاصة الأشد وطأة في هذا الرصد ما ورد في دراسة GMMP، التي أشارت إلى أنه إذا استمرت وتيرة التقدم كما هي، فلن يتحقق التوازن بين النساء والرجال في الإعلام الإخباري العالمي قبل سنة 2087.
يذكر، أنه في إطار مساهمتها المؤسساتية في تعزيز ثقافة المناصفة والمساواة في وسائل الإعلام السمعية البصرية، أطلقت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، يوم 29 أبريل 2025، شريط فيديو تحسيسي تحت عنوان "تمثيل النساء في الأخبار بالمغرب: رهانات مساواة مواطنة ودمج ديموقراطي".
وجرى تقديم هذا الشريط الذي يحيل على الرهانات الاجتماعية والثقافية والديموقراطية للتمثيل المنصف للنساء في الأخبار، خلال ورشة للتفكير نظمتها هيئة التقنين بهذه المناسبة، كما تم خلال هذا اللقاء، طرح ومناقشة موضوع تمثيل النساء في الأخبار من زوايا عدة بفضل مشاركة أعضاء من المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري ورئيسة مجموعة العمل الموضوعاتية حول "المساواة والمناصفة" بمجلس النواب، وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وممثل عن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأُسْرَة، وصحافيين ومسؤولي تحرير بالإذاعات والقنوات التلفزية المغربية العمومية والخاصة، إلى جانب عدد من الفاعلين بالمجتمع المدني وخبراء في المجال الرقمي.
وقد أتاح هذا اللقاء تبادل وجهات النظر بطريقة ملموسة وتشاركية حول العوامل المساهمة في نقص وسوء تمثيل النساء في الأخبار مع تحديد بعض روافع التحرك والعمل لتأمين أخبار مدمجة وأكثر توازنا وحريصة على مراعاة قيم التنوع.
فانطلاقا من كون الخبر موردا أساسيا لحسن سير الديموقراطية، أشار مختلف المشاركين في هذا النقاش الذي قام بتسيير أشغاله السيد بنعيسى عسلون، المدير العام للهيئة العليا، إلى الطابع الحيوي لتمثيل إعلامي للنساء يكون في الآن ذاته منصفا ومهنيا، من أجل تغيير الذهنيات والتمثلات إزاء القواعد الاجتماعية، وتيسير التملك الجموعي للإصلاحات الكبرى على غرار مراجعة مدونة الأسرة.
كما قدمت خلال هذا اللقاء، لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا، نتائج الدراستين المنجزتين من طرف المؤسسة في إطار مشروع الرصد الإعلامي العالمي، بالإضافة إلى عدد من المؤشرات المفاتيح والملاحظات الدالة حول تمثيل النساء في الأخبار وفي الصورة الصحفية، مضيفة إلى أن إطلاق هذا الشريط التحسيسي الذي سيتم بثه أساسا على شبكات التواصل الاجتماعي، يأتي امتدادا لمجهودات تقوية ثقافة تقنين الإعلام القائمة على الحقوق الإنسانية داخل المجتمع المغربي.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :